قصص وحكايات

عباس بن فرناس

أبو القاسم عباس بن فرناس التاكرني هو عالم ومخترع موسوعي مسلم من الأندلس، اشتهر بتجربته في الطيران، وكان أيضا شاعرا بارعا وعالما في مجالات الرياضيات والفلك والكيمياء والهندسة، وسنتعرف معا على حياته بالتفصيل.

نشأة وحياة عباس بن فرناس

  • ولد أبو القاسم عباس بن فرناس التاكرني في تاكرنا، التابعة لرندة، ونشأ في قرطبة حيث تلقى تعليمه وبرع في الفلسفة والكيمياء والفلك.
  • عاصر حكم بن هشام وعبد الرحمن بن الحكم وحفيده محمد، وكان مقربا منهم وشاعرا في بلاطهم، حتى أن عبد الرحمن استعان به لتدريس علم الفلك، فأطلق عليه لقب حكيم الأندلس.
  • أطلق على ابن فرناس في الغرب اسم Armen Firman لكن بعض المصادر تؤكد أنهما شخصان مختلفان تماما.
  • أسهم في مجالي الفلك والهندسة، حيث ابتكر جهازا يحاكي حركة الكواكب والنجوم.
  • كما نجح في تطوير طريقة لصناعة زجاج شفاف، استخدمه في تصنيع عدسات مكبرة للقراءة عرفت باسم أحجار القراءة.
  • تميز أيضا بالشعر، وتمكن من فك رموز كتاب العروض للفراهيدي، إلى جانب إتقانه الموسيقى والعزف على العود.
  • ذاع صيته بفضل ابتكاراته التي تجاوزت زمنه، لكنه تعرض لاتهامات بالكفر والزندقة، مما أدى إلى محاكمته علنا في المسجد الجامع، إلا أنه برئ منها نظرا لضعف الأدلة.

أصل عباس بن فرناس

  • لم يذكر أغلب المؤرخين القدماء أصل ابن فرناس، مثل أبو بكر الزبيدي في طبقات النحويين واللغويين، والحميدي في جذوة المقتبس، وابن عميرة الضبي في بغية الملتمس، ومجد الدين الفيروز آبادي في البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، وجلال الدين السيوطي في بغية الوعاة، وأحمد المقري التلمساني في نفح الطيب.
  • في المقابل، أشار ابن سعيد المغربي في المغرب في حلى المغرب إلى أن بيته في برابر تاكرنا، بينما نقل السيوطي عن عقلاء المجانين أنه من البربر.
  • كما وصفه الصفدي في الوافي بالوفيات بـعباس بن فرناس المغربي.
  • أما المؤرخ عبد الحميد العبادي، فأكد أنه من مواليد الأندلس، مما يعني أنه إسباني الأصل.

أعمال عباس بن فرناس

  • ابتكر ابن فرناس ساعة مائية تعرف بـالميقاتة، ونجح في تحويل الحجارة إلى زجاج شفاف.
  • كما صنع نظارات طبية.
  • صمم أيضا ذات الحلق، وهي آلية تحاكي حركة الأجرام السماوية.
  • بالإضافة إلى أنه طور تقنية لتقطيع أحجار المرو في الأندلس بدلا من إرسالها إلى مصر.
  • في مجال الكتابة، اخترع أول قلم حبر في التاريخ، حيث ابتكر أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة، يتدفق منها الحبر إلى حافة مدببة للكتابة.
  • كما أنه أنشأ في منزله غرفة تحاكي السماء، حيث تمكن الزائر من رؤية النجوم والسحب والبرق والصواعق عبر تقنيات يديرها من معمله أسفل المنزل.
  • كما أبدع في بعض أنواع رقاص الإيقاع.
  • أما أبرز إنجازاته، فكان محاولته الطيران باستخدام جناحين قرب قصر الرصافة في بغداد، كما ذكر المقري، ليتفوق بذلك على تجربة إلمر المالمسبوري في إنجلترا بين عامي 1000 م و1010م، التي لم توثق رسميا.

تكريم عباس بن فرناس

وتكريما لأعمال ابن فرناس العظيمة سنجد أنه:

  • أطلقت فوهة قمرية باسم ابن فرناس، وأقيم تمثال له أمام مطار بغداد كتب عليه أول طيار عربي ولد في الأندلس.
  • كما أصدرت ليبيا طابعا بريديا باسمه، وسمي فندق مطار طرابلس ومطار آخر شمال بغداد بـعباس بن فرناس.
  • في 14 يناير 2011، افتتح جسر يحمل اسمه في قرطبة فوق نهر الوادي الكبير، يوجد في وسطه تمثال بجناحين له ممتدين إلى طرفي الجسر، من تصميم المهندس خوسيه لويس مانثاناريس خابون.
  • كما تم إنشاء مركز فلكي باسمه في مدينة رندة.

طيران عباس بن فرناس

  • بعد سبعة قرون من وفاة ابن فرناس، وصفه المؤرخ الجزائري أحمد المقري بقوله إنه قام بتجربة فريدة للطيران، حيث غطى جسده بالريش وربط جناحين به، ثم قفز من مكان مرتفع.
  • وفقا لروايات موثوقة، استطاع التحليق لمسافة طويلة، لكنه عند الهبوط أصيب في ظهره، لأنه لم يدرك أن الطيور تهبط على ذيولها، ولم يضف ذيلا لتجربته.
  • أشار المقري إلى أنه اعتمد على مصادر تاريخية قديمة لم تعد موجودة، لكنه لم يحدد أي منها عند سرده لهذه المحاولة.
  • ومع ذلك، استدل ببيت شعري للشاعر مؤمن بن سعيد، الذي كان من شعراء بلاط قرطبة في عهد الأمير محمد الأول وكان معروفا بانتقاده لابن فرناس، يقول البيت: طار أسرع من طائر الفينيق في رحلته عندما ألبس جسده ريش نسر ولا توجد مصادر أخرى توثق الحدث.

اهتمام ابن فرناس بعلم الفلك

  • اهتم ابن فرناس بعلم الفلك وبرع فيه، فابتكر قبة سماوية تشبه ما يعرف اليوم بـالبلانتريوم، والتي تتيح محاكاة دقيقة للسماء ورصد الأجرام السماوية داخل قاعة مغلقة في مشهد واقعي.
  • لتحقيق ذلك، أنشأ في منزله غرفة ذات سقف يعكس صورة السماء ليلا، حيث تمكن الزوار من مشاهدة النجوم والكواكب والسحب، إضافة إلى الظواهر الطبيعية كالصواعق والبرق، مما وفر تجربة بصرية مذهلة.
  • كان يصمم هذه النماذج بنفسه داخل معمله الخاص، واشتهر بإتقانه لهذه التقنيات الفريدة.

ابتكارات واسهامات أخرى لابن فرناس

ابتكر ابن فرناس العديد من الاختراعات ومن ضمنها ما يلي:

  • أنواع من بندول الإيقاع المستخدم في الساعات، وطور الساعة المائية المعروفة بـالميقاتة.
  • لكن أبرز إنجازاته تمثل في ابتكاره طريقة فريدة لصناعة الزجاج الشفاف من الحجارة، مما أحدث نقلة نوعية في عدة مجالات صناعية.
  • كما كان أول من صنع النظارات الطبية باستخدام عدسات لتصحيح الرؤية.
  • إلى جانب ذلك، طور تقنية متقدمة لتقطيع أحجار المرو والكريستال الصلب، التي استخدمت في تصنيع العدسات والمناظير الفلكية، مما ساهم في تطور علم الفلك.
  • وقد كانت هذه العملية شاقة قبله، لكن طريقته المبتكرة استفاد منها الأوروبيون في العصور الوسطى وما زالت تستخدم حتى اليوم.
  • يعد ابن فرناس أول من ابتكر قلم الحبر في التاريخ، حيث صمم أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة، تسمح بتدفق الحبر إلى طرف مدبب مخصص للكتابة.
  • كان لهذا الاختراع أثر كبير في تطور الكتابة، إذ مثل خطوة مهمة في الانتقال من استخدام الريشة إلى القلم الحبري، الذي انتشر لاحقا في أوروبا بعد تطويره.
  • إلى جانب ذلك ابتكر وطور بعض الأدوات الهندسية، مثل المنقلة.

وفاة عباس بن فرناس

  • توفي عباس بن فرناس عام 887م في قرطبة عن عمر ناهز 77 عاما، في أواخر عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن.
  • وتجدر الإشارة إلى أنه لم يفارق الحياة بسبب سقوطه أثناء محاولة الطيران، بل عاش بعدها 12 عاما.
  • يعود الالتباس حول وفاته إلى الخلط بينه وبين الجوهري، الذي أجرى تجربة طيران مشابهة عام 1007م، حيث استخدم شراعا خشبيا وربطه بجسده، ثم قفز من سطح مسجد أمام حشد من الناس. رغم نجاحه في التحليق، إلا أن التجربة انتهت بسقوطه ووفاته.

وبذلك نكون قد تحدثنا عن عباس بن فرناس صاحب الشخصية البارزة التي تركت بصمة في مجالات متعددة، من الفلك والهندسة إلى الاختراعات الرائدة التي سبقت عصرها، ولم يكن مجرد عالم أو شاعر، بل كان رائدا في الطيران وأحد أوائل من حاول محاكاة تحليق الطيور، ورغم أن بعض إنجازاته لم تقدر في زمنه، إلا أن أثرها امتد ليلهم الأجيال اللاحقة من بعده.

أقرأ ايضاً : أبوبكر الرازى

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى